Friday, September 17, 2010

عندما بدأت اليوم الثاني للعيد بالذهاب للكنيسة

   يحكي التاريخ أن رجلا سار ذات يوم وسط المسلمين في مكة باتجاه بئر زمزم . وبعد أن وصل إليه قام برفع ثيابه وشرع بالتبول في مياه البئر وسط تجمهر المسلمين واستغرابهم من فعله. أمسكه المسلمون ومنعوه من القيام بهذه الفعلة الخبيثة ثم استفسروا منه بغضب عن سبب همّه بمثل هذا الفعل المنكر. فأجاب أنه أراد بفعلته هذه أن ينال الشهرة وسط الناس. ليس مهما بماذا سيشتهر ولكن المهم أن يصبح مشهورا حتى ولو باللعنة. القاعدة الشهيرة "خالف تُعرف" أسهل وسائل الشهرة، أظهر شيئا عكس ما ألفه الناس فتصبح .في ليلة وضحاها من أشهر الشخصيات في المجتمع
حكاية أخرى يرويها التاريخ أن رجلا كان يصلي في أحد الموانئ البحرية في الدولة الإسلامية. وأثناء صلاته كان رجلان يراقبانه من بعيد فقال أحدهما للآخر: هل ترى كيف يحرك هذا المصلي أصبعه عند التشهد، سأذهب لأكسر له هذا الأصبع حتى لا يحركه مرة أخرى ويبتدع في دين الله ما ليس منه! هكذا بكل برود! فزع صاحبه واستطاع أن يقنعه بأن هناك رأيا فقهيا يرى أن هذا التحريك من السنة وأن الاختلاف لا يجب أن يؤدي إلى مثل هذا التصرف الأهوج.
حب الشهرة والتعصب الجاهل من الأمراض التي تصيب بعض الفئات فتحيل الجتمع إلى خرائب ينعق عليها الغربان. عدما دعا القس الأمريكي من ولاية فلوريدا تيري جونز لحرق المصاحف في الحادي عشر من سبتمبر كان واضحا عندي أنه يهدف إلى الشهرة تحت غطاء من الجهل والتعصب.

استطاع هذا القس أن يثير الملايين من المسلمين، الذين ثاروا هم بدورهم على أمريكا، البلد الذي ينتمي إليه هذا القس. أغلب هؤلاء المسلمين لا يعرفون من أمريكا إلا سياستها الخارجية وبعض القشور التي يظهرها الإعلام. تُعرف أمريكا في العالم العربي بأنها الداعم الأول لإسرائيل. وأنها هي الدولة التي غزت دولتي العراق وأفغانستان المسلمتين. وأن المسلمون مضهدون في أمريكا وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وأخيرا، هناك حملات تشن بضراوة ضد بناء مسجد في نيويورك ودعاوى لجمع الناس لحرق القرآن.
بالإضافة إلى هذا، معروف عن أمريكا أنها متاثرة بالعنصرية بشكل كبير. فبعدما قامت الدولة على يد النصارى البروتستانت ، سجل التاريخ الأمريكي مواقف عنصرية يندى لها الجبين، منها إبادة الهنود الحمر (الأمريكان الأصليين)، واضهاد السود أثناء العبودية وبعدها، وجرائم الكو كلوكس كلان ضد السود والنصارى الكاثوليك واليهود. وآخر هذه العنصرية الاضهاد الذي يُمارس الآن ضد العرب والمسلمين.
حسناً، هذا صحيح، ولكن ...
ما لا يعرفه هؤلاء الناس أن أمريكا هي أم التنوع. ففي أمريكا تجد جميع الديانات والمذاهب، وفيها تجد جميع الأعراق والثقافات. إن كانت مصر أم الدنيا فأمريكا هي بقية أفراد العائلة! مما يفتخر به الأمريكيون أنهم شعب قائم على الاختلاف والتنوع. أذكر أن أحد الإعلانات السياحية في مدينة نيويورك يروج لهذا على أنها المدينة الأكثر تنوعا في العالم "The most diverse place in the world" . فإن كان هناك من لا يزال متمسكا بصليبيته وتعصبه النصراني ضد من يخالفهم، فإن عشرات الملايين من الأمريكان يرحبون بهذا الاختلاف ويشجعون عليه.

نقل الإعلام العربي تصريحات القس المعادية للإسلام، ونقل الرد الرسمي للحكومة الأمريكية تجاه هذه التصريحات. ما لم يره ملايين العرب والمسلمين هو رد فعل الشعب الأمريكي. بالإضافة إلى العديد من البرامج التلفزيونية انتقدت ما همّ به القس تيري جونز. مثال على الرد الشعبي ما انتشر عبر اليوتيوب والفيسبوك من لقاء تلفزيوني مع هذا القس في قناة CNN. في هذا اللقاء كان المحاور منصفا وضد فكرة حرق المصاحف واستثارة المسلمين مما جعل هذا المقطع يلقى إقبالا عاليا وترحيبا منهم. مثال آخر ما يطرحه مقدم البرامج السياسي الكوميدي جون ستيوارت في برنامجه ذا ديلي شو (the daily show with jon stewart)  أثناء مشاهدتي للبرنامج كان المقدم يجعلني أضحك، بصوت مرتفع أحيانا، على طريقة التفكير الغبية لهذا القس.




  بعد أن صلينا العيد صباح الجمعة في مدينة لورانس بولاية كانساس، دعاني صديقي التركي أيوب لتجمع تقيمه كنسية بلايموث التجمعية (Plymouth Congregational Church) يوم غد السبت لمواجهة ما سببه القس تيري من توتر واستياء لدى المسلمين بشكل خاص والمؤمنين من مختلف الديانات بشل عام. رحبت بالدعوة وشكرت صديقي عليها وعقدت النية على الذهاب. وفعلا، في التاسعة ونصف من صباح يوم السبت انطلقت بسيارتي متجها إلى وسط المدينة حيث تقع الكنيسة. عندما وصلت نظرت عبر نافذة السيارة فوجدت بعض الأشخاص يجلسون عند مدخل الكنيسة فأكملت طريقي لأبحث عن مكان لأوقف فيه سيارتي، وبعد حوالي عشر دقائق من البحث وجدت مكانا قريبا من الكنيسة.، ركنت السيارة وإذا بأخ مصري يمشي وقد ركن سيارته بقربي. بعد السلام قال لي أنه لأول مرة يحضر نشاطا مثل هذا وأنها أول مرة يجربفيها الذهاب إلى كنسية، فقلت له أن الحال من بعضه. عندما نظرت نحو مدخل الكنيسة فإذا بالعدد قد تضاعف وبدأ الناس يأتون من كل جهة حتى تجمع العشرات أمام مدخل الكنيسة. كان الجو العام مريحا والكل ينظر لنا بابتسامة على وجهه. عندها قال لي الأخ المصري أنه يشعر بالحرج لأن كل هؤلاء جاؤوا ليظهروا دعمهم لنا في حين أن المسلمين الموجودين هم أنا وهو وعائلة ذات الأصول الإيرانية فقط. في الحقيقة لم يكن خبر هذا التجمع قد انتشر وسط الجالية المسلمة. من عرف بالأمر هم من يتابعون الأخبار والصحافة المحلية ومن لهم معرفة بمنظمي التجمع، مثل صديقي التركي الذي دعاه أحد العاملين في الكنسية لهذا التجمع.

عند الساعة العاشرة تماما وقف القس بيتر لوكي كبير قساوسة الكنيسة أمام باب الكنسية وبدأ بالترحيب بالحضور وتقديم المتحدثين في هذا التجمع ليصعدوا بجانبه. بالإضافة إليه كانت هناك القسيسة جيل دارفيس من طائفة الموحدين (Unitarian Fellowship) وعضوة مجتمع الجالية اليهودية في لورانس إيف ليفين ود. موسى اليبومي عضو المركز الإسلامي في لورانس. كما أبدى القس ترحيبه أيضا بالأخ بهاء صفادي رئيس المركز الإسلامي في لورانس الذي وقف بجانبهم ليشاركهم التجمع.


القس بيتر مرحبا بالحضور


القس بيتر وخلفه د. موسى والأخ بهاء
بدأ القس بيتر بإعلان اعتراضه على ما تفوه به قس فلوريدا مؤكدا أن على المؤمنين من جميع الديانات التعايش مع بعضهم من غير إثارة الغضب والفرقة في المجتمع. صحي أن المجتمع الأمريكي يتميز بكفالته لحرية الأديان . ولكننا اليوم نجتمع لنعلن اعتراضنا على حرق الكتب المقدسة لهذه الأديان واستثارة غضب أتباعها.
خلال إلقاء الكلمات كنت أتنقل لألتقط الصور وأتلفت لأبحث عن صديقي التركي حتى وجدته وقد جاء متأخرا برفقة الأخ جاريت ، الأمريكي الذي أسلم قبل سنتين تقريبا. وبجانبهم بعض الإخوة من المسلمين. 

تكلمت بعد ذلك ممثلة التجمع اليهودي فذكرت أنها لم تشهد المحرقة النازية، ولكن العديد من أقربائها شهدوا النازيين وهم يشعلون النار في التوراة حتى تتحول الكتب إلى رماد. ولم يطل الأمر بالتطرف النازي حتى بدأ يحيل من يتبع تعاليم التوراة إلى رماد بدورهم. ما أعجبني في كلامها أنها أكدت أننا أصحاب ديانات مختلفة، فدينها يعارض أشياء كثيرة جاءت بها التعاليم المسيحية والإسلامية. وبعض الناس لا يستطيع تقبل بعض الأفكار التي جاءت بها الكتب المقدسة، وضربت مثلا بقصة إبراهيم وهمّه بذبح ابنه إسحاق إرضاء للرب (حسسب الرواية التوراتية). ولكن بالرغم من هذاالاختلاف لابد لنا من ن نتعايش مع بعضنا وأن يكون حوارنا علميا ومنطقيا بعيدا عن إثارة الحساسيات. فحرق كتاب مقدس لا يعني مسح تعاليمه من قلوب وعقول من يؤمنون به بل هو مجرد إثارة.

إيف ليفين عضوة المجتمع اليهودي


د. موسى البيومي
ثم تكلم الأخ موسى البيومي بتأكيده على أن هذا القرآن يدعو إلى الخير وإلى السلام بين الناس. وأن هذا التجمع يظهر أمريكا على حقيقتها لا كما يفعل بعض المتعصبين والمتطرفين الذين يشوهون صورة المجتمع الأمريكي. فأهل الإيمان كالعائلة فيهم الصالح وفيهم الطالح. ومن جاؤوا هنا هم الأفراد الصالحون من عائلة الإيمان، أما من يريدون حرق القرآن فهم الأفراد الفاسدون من هذه العائلة. وأكد على أن جوابنا على من يحملون الكراهية في قلوبهم هو بعدم الرد عليهم بكراهية وإنما تعليمهم ونشر النور في قلوبهم . ثم أنهى حديثه ببعض الأدعية بأن يهدي الله القلوب ويجمع الكلمة على الحق وسط تأمين الحضور من مختلف الديانات.





 ثم اختتمت القسيسة جيل اللقاء مؤكدة على أننا اجتمعنا هنا لنظهر وحدتنا كمؤمنين، ولكن هذا لا يعني أننا نلغي الاختلاف بيننا. ثم ذكرت قصة قسيس جاء إليه تلميذان من تلاميذه الصغار يبشرانه بحرق كتاب يحتوي على هرطقة وجداه في إحدى المكتبات. وعندما استفسر منهما أكثر عما فعلاه تبين أنهما أحرقا نسخة ثمينة من أحد الأناجيل. فغضب عليهما وقال لهما أنهما إن وجدا ما يختلفان معه في كتاب، فعليهما أن يقوما بكتابة رد عليه وتفنيد ما فيه لا أن يقوما بحرقه.
القسيسة جيل في صورة بديعة تظهر أصحاب الديانات السماوية مجتمعين في موقف واحد
انتهى اللقاء الذي لم يستغرق أكثر من نصف ساعة فذهبت أبحث عن صديقي التركي الذي وجدته واقفا مع بعض المسلمين يتحدثون مع بعض الحضور فصار مكاننا وكأنه تجمع صغير لممثلي الدين الإسلامي. كم هو جميل أن تعيش هذه الأجواء. فإذا أخذت الموقف من زاوية، وجدت أتباع الديانات السماوية (اليهودية والنصرانية والإسلام) يقفون صفا واحدا في مواجهة السفه والتعصب الذي لا يتفق مع تعاليم الأنبياء. وإن أردت أن تنظر إلى الموقف من زاوية أخرى فإنك تجد المسلمين من أصول مختلفة وقد تجمعوا في مكان واحد لنصرة دينهم وعقيدتهم. فنحن لم نكن نتعدى العشرة أشخاص ولكننا من بقاع مختلفة من العالم. كويتي ومصري وتركي وبعض الأمريكان من أصول مصرية وشامية وهندية وإيرانية. يا لهذا التنوع العجيب!


كان عدد الحضور في تقديري يفوق المئة من مختلف الديانات والمعتقدات. ولكنهم جميعا جاءوا ليثبتوا أن قيمة التسامح وتقبل الآخر لا تزال موجودة لدى الشعب الأمريكي. وأن أمريكا التي تحوي اختلاف العالم لا تكره الإسلام ولا المسلمين، بل ترحب بهم كحجر من أحجار فسيفساء هذا الشعب المتنوع. قبل أن نذهب جاءت لنا امرأة لتشكرنا على حضورنا وتليبتنا لدعوة الكنيسة. يا للعجب ويا للأدب، يقيمون تجمعا لدعمنا ويشكروننا على حضورنا! قلنا لها أننا نحن من نشكرها ونشكر كل من جاء على موقفهم المشرف معنا. 


ما أجمل أن تعيش في عالم بعيد عن الكره والبغض. ما أجمل أن تعيش وقلبك يحمل حب الآخرين والحرص على نشر السعادة بينهم. ما أجمل العيش في أجواء التسامح مع الحفاظ على العقيدة والشعور بتقبل المجتمع للجميع بالرغم من مقدار الاختلاف بينهم. هذا هو الإسلام الحقيقي يا أعزائي. إسلام محمد الذي لم يكره أحدا على دينه. إسلام عمر الذي حافظ على كنائس القدس، إسلام العصر الذهبي الذي عاش فيه المسلمون بجانب بقية أصحاب الديانات. {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ولنا حياتنا المشتركة ومجتمعنا الواحد. 




جانب من الحضور
جانب آخر من الحضور
=================================

في الختام، ماذا تلاحظون في الصورتين التاليتين؟
^_^

لقطة من موقع الصحيفة المحلية
لقطة من تصويري


Thursday, September 2, 2010

السعادة وقصة الشيخ ونجم البحر



قبل عدة أيام ، وقبل سفري إلى الولايات المتحدة بقليل ، كنت جالساً في أحد أفرع كاريبو كوفي في الكويت أقرأ كعادتي . وفي بداية اندماجي مع صفحات الكتاب جاء إلي النادل بالقهوة التي كنت قد طلبتها قبل قليل . قدم لي القهوة وسألني إن كنت أملك بعض الوقت ليتحدث معي فأجبته بنعم . افتتح حديثه معي بسؤالي عما أقرأ. فقلت له أن هذه رواية ملحمية عن جنكيز خان وأنني في الجزء الثاني منها . ووصفت له بتعجب مقدار الدم الذي سفكه هذا الشخص لبناء إمبراطوريته العظيمة التي خلدها التاريخ .
بعد هذه المقدمة البسيطة بدأ يحدثني عن نفسه فقال لي بأنه يحمل شهادة في الفندقة وأنه كان يعمل في أحد الفنادق العالمية في الكويت لعدة سنوات قبل أن ينتقل ليعمل في محل القهوة الشهير . أبديت له حماستي لسماع حديثه . فقال لي أنه عندما بدأ العمل في الفندق طلبت منه إدارة الفندق ، كما تطلب من أي شخص آخر يُقبل في هذه الوظيفة ، أن يأخذ بعض الدورات التدريبية حتي يتعرف على نظام عمل الفنادق وكيفية سير الأمور فيها . فاضطر لأخذها بالرغم من أن شهادته في الفندقة . ثم وصف لي فائدة هذه الدورات حتى بالنسبة للمتخصص مثله.
بعد ذلك قال لي بأنه سيحدثني عن شخص اسمه "أحمد شاه" . في أحد أيام العمل حصلت مشكله تقنية لأحد الأجهزة فتوقف عن العمل تماما . حاول الموظفون المختصون أن يصلحوا الجهار ويحلوا المشكلة فلم يستطع أحد منهم ذلك . وأثناء انشغالهم استأذن أحد سائقي السيارات التابعة لشركة أخرى يتعاملون معها لكي يرى هذا الجهاز ويحاول إصلاحه . وفعلاً استطاع هذا السائق وسط استغراب الجميع أن يحل هذه المشكلة وأن يعيد الجهاز للعمل من جديد . استغرب محدثي من قدرة هذا الشخص الذي كان يعرفه معرفة بسيطة قبل هذا الحادث وأراد أن يتعرف عليه أكثر . اسمه "أحمد شاه" ،  شاب في الخامسة والثلاثين من عمره أفغاني الجنسية وله قصة غريبة . عندما كان أحمد شاه في أفغانستان كانت الحكومة الموالية للاتحاد السوفيتي تسيطر على البلاد . وكان "أحمد شاه" فتىً صغيراً متفوقا في دراسته بشكل غير اعتيادي لدرجة أنه عندما وصل إلى الصف الثالث قررت الحكومة أن تعطيه منحة دراسية ليكمل تعليمه في الاتحاد السوفيتي . سرّ "أحمد شاه" وبدأ يجهز نفسه لهذه الفرصة العظيمة التي ستغير حياته . إلا أن الرياح التي تجري بما لا يشتهي السفن أشعلت الحرب الأفغانية في هذه الفترة . فلم تتح "لأحمد شاه" فرصة السفر لإكمال تعليمه ، والأدهى من ذلك أنه انقطع عن الدراسة بالكلية بسبب ظروف الحرب . إلا أن ذكاءه قاده لأن يطور نفسه في مجال التقنيات والعمل اليدوي بالرغم من توقفه عند شهادة الصف الثالث . واستطاع أيضا أن يتقن عدة لغات منها العربية والإنجليزية بالإضافة إلى لغته الأوردية.
عند هذه النقطة انتهى محدثي عن سرد قصة "أحمد شاه" وقال لي بأنه يشعر بتعاطف كبير مع شخص مثل هذا ، فلولا ظروفه الصعبة لربما كان "أحمد شاه" الآن من أنجح الشخصيات بدلا من أن يكون سائقا مغمورا في أحد الشركات . قاطعت محدثي قائلا له أنني عرفت "أحمد شاه" ولكنني إلى الآن لم أعرف اسمه هو فتأسف وقال لي بأن اسمه "آنندا" ، اسم هندي يعني السعادة . وأردف مبتسما أن اسمه يطابق شخصيته التي تحرص على نشر السعادة في كل مكان . لذلك فكر "آنندا" بأن يرسل مقالا لجريدة "الكويت تايمز" يذكر فيها قصة "أحمد شاه" لعل أحدا يستطيع مساعدته . إلا أنه عدل عن فكرة المقال بعد أن طرأت على باله فكرة أخرى . لماذا لا يطلب مقابلة رؤسائه في الإدارة الفندقية القديمة ويطلب منهم أن يوفروا "لأحمد شاه" فرصة الانضمام إلى البرنامج التدريبي الذي يقدمونه لموظفيهم الجدد ، وإن رأوا بعد هذا البرنامج أن "أحمد شاه" كفؤ لشغل وظيفة أفضل من وظيفة السائق الحالية أعطوه هذه الوظيفة بغض النظر عن شهادته.
أنهي "آنندا" كلامه بأن سألني عن رأيي بفكرته هذه ، هل سيبدوا ساذجا أمام رؤسائه السابقين إن طلب منهم مثل هذا الطلب ؟ ولو أنني كنت مكان هؤلاء الرؤساء بماذا سأجيبه ؟  قلت له بأنني أشجعه على هذه الفكرة . وعلى عكس ما يظن فإنها تبدي شخصيته الطيبة وروحه الجميلة . ولو أنني مكان رؤسائه لطلبت مقابلة "أحمد شاه" ، وإن تبين لي بعد المقابلة أنه كما يصف "آنندا" فسأقبل بإدخاله في البرنامج بلا ضمان حتى يظهر لي نبوغه . فرد علي قائلا إنه واثق من أن "أحمد شاه" يستطيع أن يفعلها . شجعته وقلت له إن عليك أن تفعل ما تراه صحيحا وألا تكترث للنتائج ، فعلى الأقل تكون أرحت ضميرك بمحاولتك المساعدة . وافقني "آنندا" وقال لي على المرء أن يفعل ما يراه صحيحا بغض النظر عن النتائج ، ففي أحد الأيام أصابت البحر عاصفة عظيمة استمرت مدة طويلة . وبعد أن هدأت العاصفة وانقشعت الغيوم ، تكدست أعداد كبيرة من نجوم البحر على الشطئ بعد أن قذفتها أمواج العاصفة لتلقى حتفها على الشاطئ الرملي الطويل . عندها قام رجل عجوز بالمشي على الشاطئ وحمل نجوم البحر وإعادتها مرة أخرى إلى البحر نجمة نجمة . فجاء له أحد الأشخاص مستغربا وقال له "ماذا تفعل أيها الشيخ الكبير ؟! إن هناك آلافاً من نجوم البحر مرمية على الشاطئ الطويل ، وحملك بعض هذه الكائنات وإعادتها إلى الماء لن يغير من الأمر شيئا." عندها أجاب العجوز "صحيح أن فعلي هذا لن يغير شيئا بالنسبة لي ، ولكن بالنسبة لنجمة البحر التي أعيدها في الماء فإن عملي هذا تغيير كبير بالنسبة لها."
شكرني "آنندا" على حديثي معه و استأذن ليعود لمتابعة عمله ، فشكرته بدوري وعدت أكمل قراءة أحداث مجزرة جديدة من مجاز جنكيز خان . للأسف سافرت ولم أعرف بقية القصة ولكن الفوائد التي خرجت بها من هذه المحادثة كثيرة وتحتاج إلى عدة مقالات أخرى لتسطيرها . كم هو جميل وجود أشخاص مثل "آنندا" في هذا العالم .