Thursday, September 2, 2010

السعادة وقصة الشيخ ونجم البحر



قبل عدة أيام ، وقبل سفري إلى الولايات المتحدة بقليل ، كنت جالساً في أحد أفرع كاريبو كوفي في الكويت أقرأ كعادتي . وفي بداية اندماجي مع صفحات الكتاب جاء إلي النادل بالقهوة التي كنت قد طلبتها قبل قليل . قدم لي القهوة وسألني إن كنت أملك بعض الوقت ليتحدث معي فأجبته بنعم . افتتح حديثه معي بسؤالي عما أقرأ. فقلت له أن هذه رواية ملحمية عن جنكيز خان وأنني في الجزء الثاني منها . ووصفت له بتعجب مقدار الدم الذي سفكه هذا الشخص لبناء إمبراطوريته العظيمة التي خلدها التاريخ .
بعد هذه المقدمة البسيطة بدأ يحدثني عن نفسه فقال لي بأنه يحمل شهادة في الفندقة وأنه كان يعمل في أحد الفنادق العالمية في الكويت لعدة سنوات قبل أن ينتقل ليعمل في محل القهوة الشهير . أبديت له حماستي لسماع حديثه . فقال لي أنه عندما بدأ العمل في الفندق طلبت منه إدارة الفندق ، كما تطلب من أي شخص آخر يُقبل في هذه الوظيفة ، أن يأخذ بعض الدورات التدريبية حتي يتعرف على نظام عمل الفنادق وكيفية سير الأمور فيها . فاضطر لأخذها بالرغم من أن شهادته في الفندقة . ثم وصف لي فائدة هذه الدورات حتى بالنسبة للمتخصص مثله.
بعد ذلك قال لي بأنه سيحدثني عن شخص اسمه "أحمد شاه" . في أحد أيام العمل حصلت مشكله تقنية لأحد الأجهزة فتوقف عن العمل تماما . حاول الموظفون المختصون أن يصلحوا الجهار ويحلوا المشكلة فلم يستطع أحد منهم ذلك . وأثناء انشغالهم استأذن أحد سائقي السيارات التابعة لشركة أخرى يتعاملون معها لكي يرى هذا الجهاز ويحاول إصلاحه . وفعلاً استطاع هذا السائق وسط استغراب الجميع أن يحل هذه المشكلة وأن يعيد الجهاز للعمل من جديد . استغرب محدثي من قدرة هذا الشخص الذي كان يعرفه معرفة بسيطة قبل هذا الحادث وأراد أن يتعرف عليه أكثر . اسمه "أحمد شاه" ،  شاب في الخامسة والثلاثين من عمره أفغاني الجنسية وله قصة غريبة . عندما كان أحمد شاه في أفغانستان كانت الحكومة الموالية للاتحاد السوفيتي تسيطر على البلاد . وكان "أحمد شاه" فتىً صغيراً متفوقا في دراسته بشكل غير اعتيادي لدرجة أنه عندما وصل إلى الصف الثالث قررت الحكومة أن تعطيه منحة دراسية ليكمل تعليمه في الاتحاد السوفيتي . سرّ "أحمد شاه" وبدأ يجهز نفسه لهذه الفرصة العظيمة التي ستغير حياته . إلا أن الرياح التي تجري بما لا يشتهي السفن أشعلت الحرب الأفغانية في هذه الفترة . فلم تتح "لأحمد شاه" فرصة السفر لإكمال تعليمه ، والأدهى من ذلك أنه انقطع عن الدراسة بالكلية بسبب ظروف الحرب . إلا أن ذكاءه قاده لأن يطور نفسه في مجال التقنيات والعمل اليدوي بالرغم من توقفه عند شهادة الصف الثالث . واستطاع أيضا أن يتقن عدة لغات منها العربية والإنجليزية بالإضافة إلى لغته الأوردية.
عند هذه النقطة انتهى محدثي عن سرد قصة "أحمد شاه" وقال لي بأنه يشعر بتعاطف كبير مع شخص مثل هذا ، فلولا ظروفه الصعبة لربما كان "أحمد شاه" الآن من أنجح الشخصيات بدلا من أن يكون سائقا مغمورا في أحد الشركات . قاطعت محدثي قائلا له أنني عرفت "أحمد شاه" ولكنني إلى الآن لم أعرف اسمه هو فتأسف وقال لي بأن اسمه "آنندا" ، اسم هندي يعني السعادة . وأردف مبتسما أن اسمه يطابق شخصيته التي تحرص على نشر السعادة في كل مكان . لذلك فكر "آنندا" بأن يرسل مقالا لجريدة "الكويت تايمز" يذكر فيها قصة "أحمد شاه" لعل أحدا يستطيع مساعدته . إلا أنه عدل عن فكرة المقال بعد أن طرأت على باله فكرة أخرى . لماذا لا يطلب مقابلة رؤسائه في الإدارة الفندقية القديمة ويطلب منهم أن يوفروا "لأحمد شاه" فرصة الانضمام إلى البرنامج التدريبي الذي يقدمونه لموظفيهم الجدد ، وإن رأوا بعد هذا البرنامج أن "أحمد شاه" كفؤ لشغل وظيفة أفضل من وظيفة السائق الحالية أعطوه هذه الوظيفة بغض النظر عن شهادته.
أنهي "آنندا" كلامه بأن سألني عن رأيي بفكرته هذه ، هل سيبدوا ساذجا أمام رؤسائه السابقين إن طلب منهم مثل هذا الطلب ؟ ولو أنني كنت مكان هؤلاء الرؤساء بماذا سأجيبه ؟  قلت له بأنني أشجعه على هذه الفكرة . وعلى عكس ما يظن فإنها تبدي شخصيته الطيبة وروحه الجميلة . ولو أنني مكان رؤسائه لطلبت مقابلة "أحمد شاه" ، وإن تبين لي بعد المقابلة أنه كما يصف "آنندا" فسأقبل بإدخاله في البرنامج بلا ضمان حتى يظهر لي نبوغه . فرد علي قائلا إنه واثق من أن "أحمد شاه" يستطيع أن يفعلها . شجعته وقلت له إن عليك أن تفعل ما تراه صحيحا وألا تكترث للنتائج ، فعلى الأقل تكون أرحت ضميرك بمحاولتك المساعدة . وافقني "آنندا" وقال لي على المرء أن يفعل ما يراه صحيحا بغض النظر عن النتائج ، ففي أحد الأيام أصابت البحر عاصفة عظيمة استمرت مدة طويلة . وبعد أن هدأت العاصفة وانقشعت الغيوم ، تكدست أعداد كبيرة من نجوم البحر على الشطئ بعد أن قذفتها أمواج العاصفة لتلقى حتفها على الشاطئ الرملي الطويل . عندها قام رجل عجوز بالمشي على الشاطئ وحمل نجوم البحر وإعادتها مرة أخرى إلى البحر نجمة نجمة . فجاء له أحد الأشخاص مستغربا وقال له "ماذا تفعل أيها الشيخ الكبير ؟! إن هناك آلافاً من نجوم البحر مرمية على الشاطئ الطويل ، وحملك بعض هذه الكائنات وإعادتها إلى الماء لن يغير من الأمر شيئا." عندها أجاب العجوز "صحيح أن فعلي هذا لن يغير شيئا بالنسبة لي ، ولكن بالنسبة لنجمة البحر التي أعيدها في الماء فإن عملي هذا تغيير كبير بالنسبة لها."
شكرني "آنندا" على حديثي معه و استأذن ليعود لمتابعة عمله ، فشكرته بدوري وعدت أكمل قراءة أحداث مجزرة جديدة من مجاز جنكيز خان . للأسف سافرت ولم أعرف بقية القصة ولكن الفوائد التي خرجت بها من هذه المحادثة كثيرة وتحتاج إلى عدة مقالات أخرى لتسطيرها . كم هو جميل وجود أشخاص مثل "آنندا" في هذا العالم .

2 comments:

  1. مقال رائع أسال الله لك التوفق

    ReplyDelete
  2. آمين
    شكرا على المرور بو المثنى

    ReplyDelete